الخيارات الصعبة لحل الأزمة الليبية وصراع القوى

د. خالد الشرقاوي السموني

ما 5 تيفي

د. خالد الشرقاوي السموني – أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط وبالمعهد العالي للإعلام والاتصال

استضافت العاصمة الألمانية مجددا يوم 23 يونيو 2021 أبرز أطراف النزاع الليبي وبينهم للمرة الأولى الحكومة الانتقالية، في إطار مؤتمر “برلين 2 “حول ليبيا على مستوى وزراء خارجية الدول الرئيسية المعنية بالصراع الليبي. وناقش المؤتمر نتائج العملية السياسية التي تحققت منذ مؤتمر “برلين 1” الذي انعقد في يناير من العام الماضي، والاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية نهاية هذا العام، وملف انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.

فهل شكل مؤتمر” برلين 2 ” الحلقة الحاسمة في مسارات إخراج ليبيا من نفق أزمة عمرت لأزيد من عقد من الزمن ؟ وهل اعتمدت الدول المشاركة في المؤتمر مبادرة الحكومة اللبيبة المسماة ” استقرار ليبيا ” ومسألة  إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة ؟ وما هي المخرجات الممكنة والمراحل المقبلة لدعم العملية السياسية لتعزيز وفرض الأمن والاستقرار الدائمين في البلاد؟

  مبادرة  “استقرار ليبيا ” و مصالح القوى الأجنبية

لم يعكس البيان الختامي لمؤتمر “برلين 2 ” مقترحات المبادرة المسماة “استقرار ليبيا”، تقدمت وزير الخارجية الليبية نجلاء المنقوش  باسم حكومة الوحدة الوطنية الليبية  ، وهي مبادرة ترتكز على بنود خارطة الطريق، التي قررها ملتقى الحوار السياسي الليبي ، غايتها أن يأخذ الشعب الليبي زمام الأمور بيده بمساندة الدول الداعمة له و توحيد الجيش الليبي تحت قيادة واحدة، وتفعيل قرار وقف إطلاق النار، ووضع برنامج زمني واضح لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة. فهذه المبادرة لم يتم اعتمادها بالشكل الذي طرحت و ذلك للأسباب التالية :

–         لم تكن القوات الأجنبية المتواجدة بليبيا متحمسة لهذه المبادرة ، لأنها تتعارض مع مصالحها الاقتصادية و الجيوسياسية في هذا لبلد، وهو ما سنشرحه فيما بعد.

–         هناك صعوبة في توحيد الجيش ، لأن قوات الجنرال حفتر مازالت ترفض ذلك. فمثلا ، عندما أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بأن هناك تقدما بشأن إعادة فتح الطريق الساحلية بين مصراتة وسرت التي تربط بين شرق وغرب البلاد، بعد إغلاق دام حوالي سنتين منذ هجوم قوات الجنرال حفتر على العاصمة طرابلس، قامت هذه القوات بعرقة فتح الطريق بين مصراتة وسرت، كما قامت وحدة عسكرية تابعة له بإغلاق معبر حدودي مع الجزائر بعد انتشار كثيف في جنوب ليبيا والقيام بتحركات ميدانية .

–         لم يضع مؤتمر “برلين 2 ” برنامجا زمنيا واضحا لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، نظرا للأطماع التركية والروسية هناك . فتركيا تسعى جاهدة لاقتحام الساحة الليبية سياسيا وعسكريا والحصول على استثمارات جديدة ، ووضع يدها على موارد ليبيا في مجال الطاقة ، فيما الهدف الروسي يتعلق بالرغبة في عدم ترك الساحة الليبية للقوى الأوروبية. فليبيا مهمة بالنسبة لروسيا كموطئ قدم عسكري في البحر المتوسط لمراقبة دول جنوب أوروبا وإمكانية إنشاء قاعدة عسكرية هناك.
تحديات أمام أوروبا و أمريكا بسبب التواجد الروسي التركي في ليبيا

تواجه أوروبا تواجه تحديات كبيرة أمام القوات الأجنبية التركية و الروسية تشكل بمثابة طوق حول أوروبا من خلال أدوار عسكرية وأمنية تهدد الأمن الأوروبي و السيطرة على مناطق حيوية و جيوستراتجية في البحر الأبيض المتوسط . و لذلك ، فإن الأوروبيين يتطلعون إلى دعم أمريكي لتفكيك العقدتين الروسية والتركية بليبيا، و ما تحملهما من مخاطر على أوروبا .

روسيا تشكل أيضا خطرا جيوستراتيجيا حتى على الولايات المتحدة أمريكا . فلم تكن ليبيا محل اهتمام جدي لدى أمريكا كما كانت في السابق، إلا في الآونة الأخيرة عندما شعرت بخطر الروس  إذا ما حصلت على موقع قدم عسكري دائم في ليبيا، سواء لهيمنتهم البحرية في شرق المتوسط أو لأمن الجنوب الأوروبي. كما ترفض الولايات المتحدة محاولات روسيا تأسيس قاعدتين بحرية وجوية في سرت والجفرة بالقرب من الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).

ولهذا السبب ، طالب القائم بأعمال المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز في اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول ليبيا، من تركيا وروسيا ودولة الإمارات بسحب قواتهما من البلاد  واحترام السيادة الليبية وإنهاء جميع التدخلات العسكرية في ليبيا فورا . ولاحظنا أيضا كيف أن مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، طالبت بمغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة ليبيا، واعتبرتها أولوية لإنهاء الأزمة. فيما اعتبر مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض أن انخراط روسيا في الشؤون الليبية يؤثر على المصالح الجيوسياسية لواشنطن.

و لذلك ، فإن سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا أمر ملح لضمان نجاح العملية السياسية التي لا تزال تراوح مكانها بسبب اختلاف مواقف الأطراف .
 
سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا … القرار المؤجل

خلال مؤتمر “برلين 2” طالبت الحكومة الليبية بانسحاب كامل للمرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا . وهو ما طالب به أيضا وزراء خارجية الدول الأوربية ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن .

نشير في هذا الخصوص إلى أن الأطراف التي تعهدت خلال اجتماع برلين الأول يوم 19 يناير 2020 بسحب قواتها لم تف بوعدها ، خاصة روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة. ورغم تأكيد المشاركين في المؤتمر على أهمية انسحاب القوات الأجنبية وآلاف المرتزقة من الأراضي الليبية، لكن تركيا تحفظت على المادة 5 في بيان المؤتمر حول المرتزقة والقوات الأجنبية.

وهكذا تبين أن تركيا ، أساسا ، تضع عقبات أمام تنفيذ توافقات الأطراف الليبية على الحل السياسي للأزمة ، نظرا لمصالحها المتشابكة بليبيا اقتصاديا وسياسيا وجيوستراتيجيا . فعلى المستوى الاقتصادي ، تريد تركيا الحصول على مزيد من الاستثمارات ، هذا مع العلم أن مشاريع عديدة في ليبيا نفذتها الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا”، خاصة في مجالات التكنولوجيا والتعليم والصحة ، ثم أن ليبيا تعد بالنسبة لتركيا بلدا غنيا بالنفط وبمخزونات الغاز ويتاخم طرق تجارية هامة في البحر المتوسط، وعلى المستوى الجيوستراتيجي ، تسعى تركيا إلى توسع نطاق تواجدها الإقليمي إلى وسط البحر المتوسط ، الواقع عند نقطة التقاء آسيا وأوروبا وأفريقيا، والذي يعد قاعدة مركزية للتنافس والصراع منذ القدم ، ويمثل موقعه الاستراتيجي منطقة ذات أولوية في السياسة الدولية؛ بسبب وجود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) .

كما تأمل تركيا أن تكون ليبيا بوابتها نحو إفريقيا، نظرًا لبقعتها الإستراتيجية ، وتسعى لمنافسة باقي القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في دول القارة الإفريقية، لتعزيز عمل شركاتها قصد السيطرة على السوق الإفريقية.

ولذلك ، لم تظهر تركيا ، بالإضافة إلى روسيا ، لحد الآن استعدادات عملية لسحب قواتهما. لربما قد تقبلان بمقايضة الحضور العسكري أو على الأقل تقليصه، بمصالح اقتصادية في ليبيا ضمن خطط إعادة البناء أو عقود الطاقة. ولهذا السبب ، ضغطت هاتان الدولتان إثر صدور البيان الختامي لمؤتمر “برلين 2 “، حتى لا يتم التنصيص على إطار زمني لخروج القوات الأجنبية والمرتزقة .

تحديات أمام ليبيا لتحقيق الاستقرار

على الرغم مِن إعلان ألمانيا عن طريق وزير خارجيتها هايكو هاس نجاح المؤتمر، إلا أنه لا يجب التعويل على نتائجه الملغومة ، ولا على قدرته على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. كما أن هذا ليس المؤتمر الأول الذي يستهدف إنجاح العملية السياسية  في ليبيا، فقد سبقته مؤتمرات عديدة من باريس، باليرمو، موسكو، وبرلين1، وغيرها من المبادرات التي لم تنجح في تحقيق هدفها باستعادة الاستقرار في ليبيا.

كما تبدو الأهداف المعلنة من مؤتمر” برلين 2 “غير قابلة للتطبيق في المدى القريب. فمثلا فيما يخص إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية  في كل الأراضي الليبية يوم 24 ديسمبر من هذا العام ، قد لا يكون ممكنا في ظل استمرار سيطرة حفتر على أكثر من نصف هذه الأراضي ، وعدم تعاونه مع حكومة الوحدة الوطنية، و إطلاقه عمليات عسكرية على الحدود الليبية الجزائرية ، وعرقلة فتح الطريق الساحلي باتجاه بنغازي إلى الآن.

فمؤتمر ” برلين 2 ” لن يكون أفضل حالا من “برلين1 ” يكن مختلفا عن سابقه ” برلين 1 ” ، من دون إيجاد آليات واضحة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية . فلم يكن إلا  ورقة سياسية تستخدمها بعض القوى الدولية في إطار صراعها الجيوسياسي في منطقة البحر المتوسط .

وهكذا يبدو أن حل الأزمة الليبية مازال مستعصيا وغامضا. فلم يحله لا مؤتمر “برلين 1 ” و لا مؤتمر “برلين2 “. فلن يكون الحل إلا بيد الليبيين أنفسهم في إطار توافقات سياسية والعمل على توحيد الجيش الليبي ونزع السلاح من الميليشيات المسلحة. وهذا لن يتأتى إلا بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، وإشراف الأمم المتحدة على الدفع بالعملية السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة  في الأجل المحدد.

www.ma5tv.ma

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ما 5 تيفي نود أن نعرض لك إشعارات بأهم الأخبار والتحديثات!
Dismiss
Allow Notifications